منتدى ابناء ودالحليو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» البشير بودالحليو
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالإثنين أكتوبر 14, 2013 12:48 am من طرف عامر عثمان موس

» البشير يساه في تغير مجري نهر سيتيت ب
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالإثنين أكتوبر 14, 2013 12:45 am من طرف عامر عثمان موس

» سدى اعالى نهر عطبرة وسيتيت من الخيال الى الواقع
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالسبت مارس 16, 2013 5:23 pm من طرف د.محمد يوسف

» ان لله وانا اليه راجعون
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالأربعاء يونيو 20, 2012 10:07 pm من طرف ودالصافي

» محمد حسن مرعي يكمل نصف دينه
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالإثنين مارس 05, 2012 3:13 pm من طرف ودالصافي

» إنجاز غير مسبوق
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالسبت مارس 03, 2012 3:50 am من طرف خالد حسن

» عزاء واجب
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالسبت يناير 28, 2012 3:11 am من طرف خالد حسن

» سلامات ودالخليفة
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالسبت يناير 28, 2012 3:01 am من طرف خالد حسن

» مطربة اريتريا الاولى هيلين ملس في منتدى ودالحليو
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالأربعاء يناير 04, 2012 5:21 am من طرف Adil

» ودالحليو يابلدي
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالخميس ديسمبر 15, 2011 1:07 am من طرف نجم الدين عبدالله محمد

» منح دراسية
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالأحد ديسمبر 04, 2011 11:56 pm من طرف Idris

» جقرافية ودالحليو
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالأحد نوفمبر 20, 2011 4:58 am من طرف عامر عثمان موس

» سعدت كثيرا عندما قرات هذا العنوان منتدي ابناء ودالحليو
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالخميس نوفمبر 03, 2011 8:07 pm من طرف مثابه ودالحليو

» خيرات سد نهر سيتيت
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالأحد سبتمبر 25, 2011 3:46 pm من طرف عامر عثمان موس

» محادثات باللغة الانجليزية بالفديو
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالأحد سبتمبر 25, 2011 3:14 pm من طرف عامر عثمان موس

» عجبت لهذا في هذا الزمان
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالثلاثاء يوليو 12, 2011 8:10 pm من طرف نزار محمود

» محاضرة عن الارقام للاستاذ حسب الله الحاج يوسف
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالإثنين يوليو 04, 2011 10:21 pm من طرف وضاح حسب الله الحاج يوسف

» الف مبروك للاخوين الصادق والطاهر عبدالله الطاهر
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالأربعاء مايو 18, 2011 2:25 am من طرف ودالصافي

» ابو بكر مرعي عريسا
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالأحد مايو 15, 2011 10:49 pm من طرف ودالصافي

» انا لله وانا اليه راجعون
الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Emptyالخميس مايو 12, 2011 5:06 am من طرف Idris


الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي

اذهب الى الأسفل

الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي Empty الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي

مُساهمة  سعد عبدالقادر الأحد فبراير 28, 2010 4:00 am

بسم الله الرحمن الرحيم

الغيبيات عند التجاني يوسف بشير والمعرِّي
(الروح – الموت – الجنّ)


د/ سعد عبد القادر العاقب

شاع التفلسف في الشعر بين كثير من الشعراء في عصور الأدب كلها، وهذا الذي جمع بين أبي العلاء المعري والتجاني، فقد حاول الشاعران اكتشاف ما خفي من أسرار الوجود، وسعيا وراء حقائق معلومة لدى عامة الناس، لكنها خفية غير محسوسة.
هناك أيضاً تشابه بين بيئة الشاعرين، ولا أخطئ إذا قلت إن البؤس هو الجامع بينهما، البؤس الذي سببه المرض، فقد كان المعري كفيفاً عن صور الحياة التي يراها الناس، بصيراً بجوهرها، معرضاً عن عرضها الذي لا يراه، و كان التجاني معتل البدن، صحيح الفكرة والقريحة، لذلك وجد الشاعران في العزلة ملاذاً، هي عزلة نفسية، فهما قد انصرفا عن العالم المادي الذي ينشغل به الناس، وانشغلا بالعالم الآخر الذي انشغل عنه الناس حولهم.
هذه العزلة دفعت الشاعرين إلى التأمل العميق فطفقا يبحثان عن أمور غيبية، ويذهبان في ذلك مذهب الفلاسفة، وفي هذا المقال أذكر التشابه بين المعري والتيجاني ، وقد أشار إلى ذلك التشابه بعض أساتذتنا، كالعلامة البروفيسور عز الدين الأمين والدكتور أحمد البدوي، عندما تحدثا عن التيجاني يوسف بشير.
أمور الغيب كثيرة، لكن قصرت حديثي في هذا المقال على ثلاثة عناصر، هي الروح، الموت، والجنّ.
الأول: الروح
لم تخرج نظرة الشاعرين إلى الروح عن الإطار الديني الذي يقول إن الروح شيء غير مرئي، وهذا ما أخذه الناس، وآمنوا به فحسب، لكن الشاعرين، نظرا غير نظرة العامة إلى شيء يكون في البدن، وهو سبب الحركات، والتفكير وغير ذلك، وعلى الرغم من ذلك فإننا لا نرى هذا، الشيء الذي هو جزء منا، وقد اتبع الشاعران في نظرتهما إلى الروح أقوال كبار فلاسفة التصوف، فالروح عندهم أساس كل إبداع في الوجود، كقول الحلاج قبيل قتله " أنت الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إله، تتجلى كما تشاء مثل تجليك في مشيئتك كأحسن صورة، والصورة فيها الروح الناطقة بالبيان والبرهان" (1).
لم يستطع الإنسان تحديد الروح مكاناً ولا موضعاً إلا اجتهاداً لا تسنده حجة، كقول الشاطبي في كتاب الإفادات والإنشاءات ((جهة اليسار في القلب هي محل الروح))(2)
والروح ملازمة للبدن لذلك تعتل باعتلاله أحياناً وتسلم من علته أحياناً أخرى، وقد تعتل الروح ويسلم البدن، فقد سأل هرون الرشيد، بختيشوع الطبيب، هل يُحمّ الروح، قال: نعم من مجالسة الثقلاء.وقد ذكر هذا الخبر مجموعة من الكتاب والعلماء ، كالزمخشري(3) ،وإبراهيم البيهقي(4)،والراغب الأصبهاني(5)،والثعالبي(6)
يرى أبو العلاء المعري في بعض آرائه أن الروح هي سبب الشقاء، ولو كان الإنسان بلا روح لما أحس بالألم كقوله:
وكان حلولُ الروحِ في الجسمِ نكبةً على خير معيا أو على شرِّ معلمِ (7)

وقوله:
يغْنَى الفتى بالمنايا عن مآربِهِ وَيُنْفَخُ الروحُ في طفلٍ فيَفْتَقِرُ (8)

ويرى المعري المعري أيضاً أن الروح أمر غامض، ويسأل عن موضع الروح وحالها بعد خروجها من الجسد كقوله:
لا حسّ للجسمِ بعد الروحِ نَعلمُهُ فهل تُحِسُّ إذا بانت عن الجسدِ؟ (9)
ويمضي في سؤاله عن غموض الروح وخفائها كقوله:
الروح تنأى فلا يُدرَى بموضعِها وفي الترابِ لعمري يُرْفَتُ الجسدُ (10)

وفي موضع آخر يرى المعري أن اجتماع الروح بالجسد سبب في شقاء الروح، كما رأى قبل ذلك أن الروح سبب في شقاء الجسد، انظر قوله:
مازالت الروحُ قبل اليومِ في دعةٍ حتى استقرت بحكمِ اللهِ في الجسدِ (11)
أما التيجاني، فإن نظرته للروح، فلم تخرج من كونها افتراضات، يُجَمِّل بها هذا الشيء الخفي، مستخدماً في ذلك عناصر الجمال الطبيعي في تصويره حتى كأنك ترى الروح ترفرف أمامك، فقد شبهها بالطائر الغرد في قوله:(12)
الروحُ ما الروحُ إلا طائرٌ غرِدٌ له جناحانِ من نورٍ وظلماءِ

كطائرِ الروضِ إلا أنه أبداً يشدو هنالك شدوَ الحائرِ النائي

اللهُ والروحُ كم نسعى وراءهما ونستعينُ بأمواتٍ وأحياءِ

هما الخَفِيَّانِ في نورٍ وفي غَسَقِ ترفَّعا عن إشاراتٍ وإيماءِ

يا أيها الروحُ كم تدنو لمقرُبةٍ وأنت أبعدُ من يُوحٍ وعلواءِ

جرى وراءك سقراطٌ فما عَلِقتْ كفّاه منك بشيءٍ وابنُ سيناءِ

ربما أثرت في المعري، عاطفة التشاؤم التي كانت مسيطرة عليه فرأى في الروح شقاءً وتعبا، لكن التجاني رأى في الروح حقيقة، يبحث عنها المفكر، أما تشبيه التجاني للروح بالطائر، فلا يخلو هذا من أثر جاهلي، فقد كان الجاهليون يعتقدون أن الرجل إذا قُتِل، خرج من رأسه طائر اسمه الهامة، يصيح "اسقوني اسقوني"0(13) ولا يسكت هذا الطائر إلا إذا أخذ أهل القتيل بالثأر، كماأسقط التيجاني حيرته في الروح، علي الصورة التي تخيل عليها الروح، (فالحائر النائي) هو التيجاني نفسه، وهذا الأمر فاشٍ عند الشعراء الذين يقوم شعرهم على التأمل العميق
كذلك يرى التجاني إن الحس والشعور لا يكون في الجسد إنما يكون في الروح لأنها سبب الحياة في الجسد، وبغيرها ينعدم الحس، كقوله:
ظل يهفو إلى السماءِ ويشكو لوعةَ الروحِ هاهنا واحتراقَهْ (14)
الثاني: الموت
كان التجاني محاطاً بأسباب الموت، أعني مرضه الذي أنهك جسده زمناً طويلا، وقد اُعْتُبِطَ مأسوفاً على شبابه، فكان الموت عنده، نهاية الإنسان وانقطاعه عن العالم، واختلفت نظرة التجاني للموت عن نظرة المعري، فالمعري كان يرى في الموت راحةً من عناء الحياة، والموت عند التجاني هو ما يرقبه الإنسان ويخشاه ويحذره، لأنه نقيض الروح التي تبعث الحركة لذلك يسأل عن كنه الموت كما سأل عن كنه الروح، عندما رثى الفقيد أبا القاسم أحمد هاشم فقال:
أهو الموتُ ذلك الأبدُ المطويُّ في نفسهِ علـــى سيمائهْ ؟
هذه بيننا المظاهرُ والسرّ دفينٌ هنــاكَ في مومِـــيائهْ ؟
أهو الموت هذه الخُطوةُ الأولى إلى منقذِ الورى من عنائهْ ؟
أهو الموت هذه الهدأةُ الكبرى على وهْدةِ الثرى أو عرائهْ ؟ (15)
وفي بيت آخر من القصيدة يظهر شيء من التشاؤم، و تساوي الموت والحياة في نظر الشاعر في قوله:
فاجهشي بالبكاءِ أيتها الأنفسُ أو أجمِلِي على لأوائهْ

هذه النزعة التشاؤمية، فيها من نفس المعري في قوله:

وشبيهٌ صوتُ النَّعِيِّ إذ قِيـسَ بصوتِ البــشيرِ في كلِّ نادِ (16)

ولكنّ التيجاني يعود فيتأثر بتشاؤم المعرّي في نظرته للموت ، فهو يتمنى لو أنه مات طفلا، في قوله
لَوددت أَني في الطُفولة مائت لَو كُنت أسمَع بِالشَباب العاثر (17)
والأحياء عند التجاني إنما خلقوا لينتظروا حتوفهم وآجالهم لإيمانهم بأنهم غير خالدين، يحس بذلك حتى الطفل انظر قوله:
تبارك الذي خــلقْ من مضغةٍ ومن علقْ
رمى بهذا الطفــــل في الأرضِ ومن ثم رزقْ
يدير عينيه ويســتفسرُ عن ســـــرّ الشفقْ
كأنه يصرخُ أن المــــــوت بالشمس علـِقْ (18)

أما المعري فإنه قلد القدماء في ذكر الموت في إيمانهم أن الموت يفني حتى الملوك والأمم، لكنه خلط هذا بتشاؤمه المعهود فيه، حيث قرر أن الحياة ليست للسعادة فقال:

وهل أفلتَ الأيام كسرى وحوله مرازبُهُ أو قيصرٌ وبطارقُهْ

أبارقُ هذا الموت سبح ربَّهُ نعمْ وأعانت أَكمُهُ وأبارقُهْ

ودنياكَ ليست للسرورِ مُعَدَّةً فمن ناله من أهلِها فهو سارقُهْ (19)


والمعري كما ذكرت كان متمنياً للموت فهو يراه أفضل من الحياة التي يقضيها المرء في الألم والبؤس قال:
إن يقربِ الموتُ مني فلست أكره قربَهْ
وذلك أمنعُ حصنٍ يصيِّر القبر دربَهْ
وإن رُدِدْتُ لأصلي دُفِنْتُ في شرِّ تُربَهْ (20)

والموت عند المعري سمو بعد انحدار كقوله:
فلا يَرْهَبنَّ الموتَ من ظلَّ راكباً فإن انحداراً في الترابِ صعودُ (21)

يتفق المعري والتجاني، في التفلسف عند الحديث عن الموت وغيره من أمور الغيب، ولكن يفرق بينهما أن التجاني كان يحذر الموت كغيره من بني البشر، خلافاً للمعري الذي كان يزين للناس الموت، ولعل هذا الأمر يرد إلى صغر سن التجاني وشيخوخة المعري، كما أن المعرّي لم يكن يستلذ بجمال الدنيا، وكان التجاني متلمساً لمواطن الجمال الدنيوي في الطبيعة وغيرها.
الثالث : الجن
الجن عند العلماء أدنى مرتبة من الإنس ، فقد ذكر الجاحظ (22)أن أعلى الخلق مرتبة هم الملائكة ثم الإنس ثم الجن،وقد كانت الأرض معمورة بالجن قبل أن يسكنها البشر، يذكر الطبري أن أول من سكن الأرضَ الجنُّ فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء وقتل بعضهم بعضًا. فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال.ثم خلق آدم فأسكنه إياها،(23) فلذلك قال:"إني جاعل في الأرض خليفة" (24) ومع ذلك فإن الإنس يرهبون الجن، وقد اتخذ المعري الجن رمزاً للوحشة التي يريدها، فهو يفضل الابتعاد عن البشر، ويرى أن السلامة من الشر هي الابتعاد عن بني الإنسان،وأنّه لاينبغي للنفس أن ترهب الوحشة والانفراد بسسب وجود الجن والشياطين ، لأن النفس البشرية شيطان كقوله:

جزى الله عني مؤنسٌ بصدوده جميلاً ففى الإيحاشِ ما هو إيناسُ
تخافين شيطاناً من الجنِّ مارداً وعندَك شيطانٌ من الإنسِ خنّاسُ (25)

وقد اشترك التجاني والمعرّي في نسب الأمر الجيد الصنعة إلى الجن، يتبعان في ذلك زعم العرب القدماء الذين ينسبون المعاني الجيدة إلى الجن والشياطين،فنسبوجيد الصنعة إلى عبقر وهو كما يذكر الزمخشري أرض الجن، وذكر اراغب الأصبهلني قول الغرب : شيطان عبقر ، وقولهم للشيء الجيد الذي لا يستطيعونه عبقري، فعلى هذا الأساس جعلوا لكل شاعر شيطاناً يملي عليه الشعر يقول المعري:
إذا غُيِّبَ المرء استسرَّ حديثُهُ ولم تخبرِ الأفــكارُ عنه بما يُغْني
وقد كان أربابُ الفصاحةِ كلَّما رأوا حَسَناً عدُّوه من صنعةِ الجنِّ (26)

وقد قلد التجاني هذا المعنى لكنه وصف به نفسه فقال:
وعلى مضجعي نثارُ من السو سنِ غَضٌّ مقدّسٌ في بِقاعِهْ

في يميني يراعُ نابغةِ الفصـ ـحى وكلُّ امرئٍ رهينُ يراعِهْ
وَعَلى هامَتي أَكاليل سحبا ن وَفي شرتي أَداة مصاعه
ندّ عن عبقرٍ وطافَ بماءِ النِّـ ـيلِ واصطافَ مؤْذِناًبارتباعِهْ (27)

ويوقن التجاني أن العقل الذي يولد منه الفن والإبداع إنما هو ضرب من طبائع الجن وأحوالها فيقول:
مَلَكٌ من بني الضياءِ وجنِّـيٌّ سليلُ الظلامِ في أرضِ عبْقَرْ
المسمَّى بالعقلِ عنــدك في الآزالِ من سيَّرَ الحياةَ وسَطَّرْ (28)
ويصور التيجاني أيضاً الإبداع الشعري ضربا من الخوارق التي يأخذها صاحبها من صفات الجن وطبائعها،حتى جعل وجود الشاعر وجودا مغايراً لوجود غيره، فهو إنسان خفي يجالس الجن،حتى أن العطر والأرج الذي يشتمه، مأخوذ من حدائق الجن وذلك في قوله:

فَتَخير وَصِفْ وصوِّرْ رُؤى الوَحــي وَصُغْ وَاِصنَع الوُجود المُغايرْ
وَأَهــد تِلكَ الَّتي بِنَفســك مِنها أَرج مِن مـجاجة الحُبِّ عاطرْ
زَهـراً أَنجـَبت حَدائــق جِنَّانٍ أَفــانينُه وَرَوضةَ شـــاعرْ( 29)
استخدم التجاني الجن استخداماً شاعرياُ ، حيث استوحى منها معاني اإبداع التي يعجز عنها البشر، فالغرض إيراد الجن عنده إنما يكون لتعميق المعنى، والتفرد بما يتنافس فيه الشعراء من معانٍ، لكن المعري أورد الجن في شعره ليبرز معرفته وثقافته الواسعة بصفات هذه المخلوقات، فتجد في بعض شعره عن الجن، حديث العالم الفقيه الذي يحدث الناس عن مقدرة الجن على التشكل بشتى الأشكال وقطعها المسافات البعيدة في زمن يسير لا يستطيعه الإنسان، ولم يكن المعري يريد من حديثه عن الجن إلا ما يبحث عنه الإنسان من صفات الجن وطبائعها، كالقدرة الخارقة التي لا يرومها الإنسي ، والتشكل بأشكال الحيوانات ، وحمل الخير والشر والوسوسة للإنسان والتطواف في أنحاء الأرض في زمن يسير، وأن الجن يعمرون طويلا فيشهدون أحداث القرون ومعاصرة الممالك والملوك، والدول التي سبقت العصر الذي هم فيه،وأن الجن يتحكمون أحيانا في عقول عظماء البشر . نظم المعري قصيدة على لسان جني سماه أبا هدرش يصف فيها هذه الأمور وهي: (30)
حمدت من حطِّ أوزاري ومزَّقها
عنَّي، فأصبح ذنبي اليوم مغفوراً
وكنت آلف من أتراب قرطبة
خوداً، وبالصِّين أخرى بنت يغبورا
أزور تلك وهذي، غير مكترث
في ليلةٍ، قبل أن أستوضح النُّورا
ولا أمرُّ بوحشيٍّ ولا بشرٍ،
إلاّ وغادرته ولهان مذعورا
أروِّع الزِّنج إلماماً بنسوتها
والرُّوم والتُّرك والسِّقلاب والغورا
وأركب الهيق في الظَّلماء معتسفاً
أولا، فذبَّ ريادٍ بات مقرورا
وأحضر الشَّرب أعروهم بآبدةٍ
يزجون عوداً ومزماراً وطنبوراً
فلا أفارقهم حتَّى يكون لهم
فعلٌ، يظلُّ به إبليس مسرورا
وأصرف العدل ختلاً عن أمانته
حتى يخون، وحتى يشهد الزُّورا
وكم صرعت عواناً في لظى لهبٍ
قامت تمارس للأطفال مسجوراً

وذادني المرء نوحٌ عن سفينته،
ضرباً، إلى أن غدا الظُّنبوب مكسورا
وطرت في زمن الطُّوفان معتلياً
في الجوِّ حتى رأيت الماء محسورا
وقد عرضت لموسى في تفرُّده
بالشاء ينتج عمروساً وفرفورا
لم أخله من حديثٍ مَّا، ووسوسةِ
إذ دكَّ ربُّك في تكليمه الطُّورا
أضللت رأي أبي ساسان عن رشدٍ
وسرت مستخفياً في جيش سابورا
وساد بهرام جور وهو لي تبعٌ
أيَّام يبني على علاَّته جورا
فتارةً أنا صلُّ في نكارته،
وربَّما أبصرتني العين عصفورا
تلوح لي الإنس عوراً أو ذوي حولاً
من بعد ما عشت بالعصيان مشهورا
حتى إذا انفضَّت الدُّنيا ونودي: إسـ
ـرافيل ويحك، هلاَّ تنفخ الصُّورا
أماتني الله شيئاً، ثمّ أيقظني
لمبعثي، فرزقت الخلد مبرورا


الهوامش

1- أخبار الحلاج - (ابن الساعي) علي بن أنجب بن عثمان، نسخة إلكترونية ضمن الموسوعة الشعرية، أبوظبي، ص 65
2- الإفادات والإنشاءات - (الشاطبي) محمد بن سليمان بن محمد، ت، محمد أبو الأجفان ،مؤسسة الرسالة ، بيروت،ط1 ، 1983م ص 47
3- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار- (الزمخشري) جار الله محمود بن عمر، ت، سليم النعيمي ، بغداد 1976- 1982م ج2 ص 56
4- المحاسن والمساوئ - إبراهيم البيهقي ، دار صادر ، بيروت،1968م ص54
5- محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ، الراغب الأصبهاني، دار مكتبة الحياة ، بيروت،1961م ج 3 ص77
6- لطائف اللطف - (الثعالبي) عبد الملك بن محمد،ت،عمر الأسعد، دار المسيرة، بيروت ص 154
7- لزوم ما لا يلزم – دار صادر – بيروت – ج 2 ص 438
8- المصدر نفسه – ج1 ص 434
9- المصدر نفسه – ج1 ص 374
10- المصدر نفسه – ج 1 ص319
11- المصدر نفسه ج1 ص 371
12- شعره ضمن الموسوعة الشعرية الإلكترونية – إصدار المجمع الثقافي – أبو ظبي
13- المستطرف في كل فن مستظرف – الأبشيهي(شهاب الدين)، ت،إبراهيم أمين، المكتبة التوفيقية، ص356
14- ديوان إشراقة – المطبعة الوطنية – الخرطوم – ط2 -1949م- ص2
15- المصدر نفسه – ص 76
16- سقط الزند - دار صادر- بيروت – دار بيروت للطباعة والنشر- 1957م ص 7
17- ديوان إشراقة- ص70
18- المصدر نفسه ص 49
19- لزوم ما لا يلزم ج2 ص 180
20- المصدر نفسه – ج1 ص 134
21- المصدر نفسه ج1 ص 313
22- البيان والتبيين - الجاحظ
23- جامع البيان في تأويل القرآن – محمد بن جرير الطبري- ت/ أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة ، ط1، 2000م ج1 ص455
24- سورة البقر الآية 30
25- لزوما لا يلزم – ج2 ص 9
26- سقط الزند – ص 14
27- ديوان إشراقة - ص 40
28- المصدر نفسه ص 10
29- المصدر نفسه ص 84
30- رسالة الغفران - المعري – ت، عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) - دار المعارف- القاهرة -1969م- ص 294 – 295 - 296
[/size]
سعد عبدالقادر
سعد عبدالقادر

عدد المساهمات : 9
تاريخ التسجيل : 07/02/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى